الإمام الأصيلي
هوأبو محمد الأصيلي (تـ392هـ)
شيخ المالكية، وعالم العدوتين، الحافظ المحدّث، الإمام الفقيه، أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جعفر الأصيلي، أصله من كورة شذونة، ورحل به أبوه إلى أصيلة فسكنها ونشأ بها، وقيل ولد بها سنة (324هـ).
قَدِم قرطبة سنة اثنتين وأربعين، فسمع بها من أحمد بن مطرّف، وأحمد بن سعيد، ومحمد بن معاوية القرشي، وأبي بكر اللؤلؤي، وغيرهم، ورحل إلى وادي الحجارة فسمع وهب بن مسرّة؛ وأقام عنده سبعة أشهر، وكانت رحلته إلى المشرق في محرّم سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة بقي هنالك نحو ثلاثة عشر عاما، ثم دخل بغداد؛ فسمع بها من أبي بكر الشافعي، وأبي علي الصواف، وأبي بكر الأبهري وآخرين، ثم وصل إلى الأندلس في آخر أيام المستنصر بالله؛ فقُلّد الشّورى بقرطبة، ثمّ قضاء سرقسطة، وقرأ عليه الناس كتاب البخاري رواية أبي زيد المروزي وغير ذلك.
وقد ذُكر أن بعضهم هنّأه بالشورى حين تقلّدها فقال: «لعن الله الشورى إن لم أرفعها، ولعنني إن رفعتني». وعلى يديه تفقه الإمام الهمام أبو عمران موسى بن عيسى الغفجومي الفاسي، وغيره.
كان الأصيلي ـ رحمه الله ـ من جلّة العلماء؛ نسيج وحده، وفريد عصره، وَصَل الأمصار، ولقي الرّجال، وتفنّن في نقد الحديث وعلله، قال ابن الحذاء: «لم ألق مثله في علمه بالحديث، ومعانيه، وعلله، ورجاله»، وقال ابن حيان: «كان أبو محمد في حفظ الحديث، ومعرفة الرجال، والإتقان للنقل، والبصر بالنقد، والحفظ للأصول، والحذق برأي أهل المدينة، والقيام بمذهب المالكية، والجدل فيه على أصول البغداديين فردا لا نظير له في زمانه، بلغني من غير وجه أنه وُجد في كتب الدارقطني: حدثني أبو محمد الأصيلي ولم أر مثله».
وجرت له مع ابن أبي زيد وابن زرب والبراذعي وغيرهم مناظرات، ومجالسات، وترك ـ رحمه الله ـ آثارا لم يبلغنا منها شيء، إلاّ أن نقول العلماء عنه في تآليفهم ـ الحديثية منها على الخصوص ـ لا تكاد تحصى، ومن مؤلفاته: «كتاب الدلائل على أمهات المسائل»، و«نوادر حديثه» في خمسة أجزاء، و«الانتصار»، ورسالة «المواعد المنتجزة»، ورسالة «الرد على من استحل عن الرسول صلى الله عليه وسلم»، ورسالة «الرد على ما شذ فيه الأندلسيون».
توفّي ـ رحمه الله ـ يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة، سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وكان آخر ما سُمع منه لمّا احتضر؛ قوله: «اللهم إنك قد وعدت بالجزاء عند كلّ مصيبة، ولا مصيبة عليّ أعظم من نفسي، فأحسن جزائي عنها يا أرحم الراحمين»، وكان قد أعدّ قبره لنفسه؛ يقف عليه ويتّعظ به، وكان كثيرا ما يتخوّف من سنة أربعمائة وما يجري فيها من الفتن، فذكر يوماً شأنها في مجلسه، ودعا الله أن يتوفاه قبلها وابنه محمدا، وسأل من حضره التأمين، وكان ابنه محمدا حاضر كاره، فأمّن الحاضرون، فأجيب دعاؤه، وتوفّي ابنه بعده بأعوام، وجاءت سنة أربعمائة فكان فيها خراب الأندلس.
مصادر ترجمته:
تاريخ علماء الأندلس (1/290)، طبقات الفقهاء للشيرازي (153)، جذوة المقتبس (400)، ترتيب المدارك (7/135).